الأحد، 14 يوليو 2013

مفهوم الفساد في إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

ان مفهوم الفساد مفهوم متحرك متغير بتغير الحضارات وتطور الشعوب([1])، وقد تكون إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أفضل تعبير عن المفهوم الذي تتلاقى حوله الأمم في عالمنا المعاصر، وفي الوقت نفسه أبلغ تعبير عن مشكلة تعريف الفساد، فالإتفاقية إختارت أن لا تعرف الفساد تعريفاً فلسفياً، بل إنصرفت الى تعريفه من خلال الإشارة الى الحالات التي يترجم فيها الى ممارسات فعلية على أرض الواقع، ومن ثم قامت بتجريم هذه الممارسات([2]).
    وإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لا تحتوي تعريفاً شاملاً للفساد، لكنها تعتمد توصيفاً خاصاً للأعمال الجرمية التي تعتبر سلوكاً فاسداً في الوقت الحاضر تاركة للدول إمكانية معالجة أشكال مختلفة من الفساد قد تنشأ مستقبلاً على أساس أن مفهوم الفساد فيه من المرونة ما يجعله قابلاً للتكيف بين مجتمع واخر([3]).
    وما دامت الإتفاقية تمت صياغتها لكي يتم توظيفها وتكون فاعلة في بيئة عالمية، وبسبب الصعوبة الناتجة عن تبني تعريف قانوني جازم، فالإتفاقية تبنت المنهج الوصفي، الذي يغطي أشكال متنوعة من الفساد الموجودة حالياً. والإتفاقية، على أية حال، تركت للدول القدرة للتعامل مع أشكال أخرى للفساد قد تظهر مستقبلاً. ان عدم تعريف الفساد يعكس الحاجة الى جعل هذه الإتفاقية مرنة ومحل قبول لدى الجميع. فالإتفاقية عرفت وجرمت مجموعة من المفاهيم كالرشوة، غسل الأموال.. والتي هي في الحقيقة تعريف واقعي (de-facto) ([4]).
     ان نهج تعريف أفعال معينة للفساد بدلاً من محاولة تعريف ظاهرة الفساد هي بسبب واقع أن أية محاولة لإيجاد تعريف جامع للفساد ويكون مقبولاً لدى جميع الدول تكون مهمة مستحيلة، ولذلك فان تبني المنهج الوصفي أي وصف أشكال الفساد، بحيث يغطي أشكالاً متنوعة من الفساد يكون بديلاً مقبولاً قابلاً للتطبيق([5]).
 ولإبداء وجهة نظرنا بشأن مفهوم الفساد، إبتداء نتساءل ؟ 
  ما هي القيمة التي نضيفها بتحديدنا لمفهوم الفساد ؟
    نرى إن من الضروري تحديد مفهوم الفساد قبل الخوض في غماره، فالمؤلفون والباحثون إما يبتدعون تعريفاً من عندهم، أو يذكرون التعريفات المتاحة في أدبيات القانون والإقتصاد والسياسة... لأنه لا يمكن أن تبني حججك الأكاديمية إذا لم يكن واضحاً حول ما تكتب بشأنه. ويقتضي الإتفاق في معظم الدراسات الأكاديمية على تحديد معنى المصطلحات المستخدمة ومضمونها حتى ينحصر الجدل في إطاره الموضوعي([6]).
    إضافة لما سبق، من الأهمية بمكان التمييز بين الفساد والأنشطة غير القانونية الأخرى لأن عوامل الفساد وسياسات مكافحة الفساد عادة أو يمكن أن تكون متميزة تماماً وكلياً عن عوامل وسياسات مكافحة الأنشطة غير القانونية الأخرى([7]).
   والقيمة تكمن في أن هذا التحديد يخولنا الإنطلاق من أرضية عامة وبناء أساس لمعايير وقواعد عامة، وفهم وإستيعاب الضعف في تعريف الفساد في التسعينيات من القرن الماضي هو أن الفساد ليس بالضرورة إستغلال للسلطة العامة، بما أن مفهوم الفساد إستمر في التطور، وتغيرت التعريفات وأعيد صياغتها لتؤكد على إستغلال الثقة، وهذا يشمل العام، والخاص، والقطاعات غير الحكومية([8]).  
    يتضح لنا من كل ما سبق، أن للفساد مفهوماً واسعاً لا يمكن أن يحويه تعريف مانع وجامع له، وإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي تعد الآن أداة مكافحة الفساد الأكثر أهمية مع نطاقها الواسع في التطبيق، أخذت منهجاً بحيث أن تعريفاً شاملاً للفساد لا هو مهم ولا هو عملي ([9]).  
   ووجدنا بأن إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد قد إتجهت الى حصر أنشطة وأفعال محددة لتصنيفها كجريمة فساد دون إعتماد تعريف قانوني محدد للفساد، ولتحقيق أهداف هذه الدراسة رأينا الأخذ بالنهج الذي سارت عليه الإتفاقية ونقول: يشمل الفساد:
 رشو الموظفين العموميين الوطنيين، ورشو الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية، وإختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل أو بآخر من قبل موظف عمومي، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة إستغلال الوظائف، والإثراء غير المشروع، والرشوة في القطاع الخاص، وإختلاس الممتلكات في القطاع الخاص، وغسل العائدات الإجرامية، وإخفاء الممتلكات المتأتية من أي من الأفعال المُجَرَمَة، إعاقة سير العدالة، والمشاركة والشروع في فعل مُجَرَم وفقاً لهذه الإتفاقية.


([1]) على صعيد التشريعات الجزائية الوطنية، ورغم الإستخدام الشائع لعبارة الفساد، فإنها ما زالت خالية من تعريف قانوني للفساد كجريمة تعاقب عليها القوانين الجزائية، كما تخلو القوانين من قسم يضم طائفة من الجرائم التي يمكن تسميتها بجرائم الفساد، غير أن القوانين الجزائية قدمت تعريفات للجرائم التي توصف اليوم بجرائم الفساد وفقا للمواثيق الدولية والإقليمية. يُنظر: د.صلاح الدين فهمي محمود، الفساد الإداري كمعوق لعمليــــات التنمية الإجتماعية والإقتصـــادية، دار النشر بالمركز العربي للدراسـات الأمنية والتدرـب، الرياض، 1994، ص44.
      وفيما يتعلق بمنهج التشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد في معالجة تعريف الفساد،  تَبَيَنَ لنا بأن بعض التشريعات قد إكتفت بتحديد الأفعال التي تُمثل جرائم فساد دون إعطاء تعريف منهجي وذاتي للفساد، وذلك مثل القانون الجزائري [ المادة (12) من القانون رقم (6-1) لسنة (2006) الخاص بالوقاية من الفساد ومكافحته ] والقانون الأردني [المادة (5) من قانون هيئة مكافحة الفساد رقم (62) لسنة (2006) ]، أما التشريع اليمني فقد لجأ الى المزج بين المنهجين حيث وضع تعريفاً للفساد في المادة (2) من القانون رقم (39) لسنة (2006) والتي عرفته بأنه "إستغلال الوظيفة العامة للحصول على مصالح خاصة سواء كان ذلك بمخالفة القانون أو استغلاله أو باستغلال الصلاحيات الممنوحة"،  ثم نص في المادة (30) من القانون ذاته على الأفعال التي تُعتبر فساداً.
([2]) عادل عبداللطيف، الفساد كظاهرة عربية وآليات ضبطها، بحث منشور في (الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية)، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية، الطبعة الثانية، بيروت، 2006، ص384.
([3]) UN Office on Drugs and Crime, "High Level Political Conference for the Signature of the United Nations Convention Against Corruption, 9-11 December 2003, Merida, Mexico, Fact Sheet.
([4]) R.Rajesh Babu, op. cit., p. 6.
([5]) R.Rajesh Babu, op. cit., p. 6.
([6]) Ian Senior, op. cit., p. 25.
([7]) Boris Begovic, op. cit., p. 2.
([8]) Phil Matsheza, Corruption: Concepts and Definition, Specialized Training Workshop for Investigators and Prosecutors on Corruption, 5 to 9 March, 2007, Kenya, p. 1.
([9]) R.Rajesh Babu, op. cit., p. 6.

مفهوم الفساد

مفهوم الفساد
        الفساد كمصطلح يعد أقدم حتى من ظهور البشرية([1])، وهذا ما نستشفه من قصة خلق سيدنا آدم (عليه السلام) التي ورد تفصيلها في سورة البقرة، حيث قال الله تعالى للملائكة: ((إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفسِدُ فيها ويسفك الدماء)) ([2])
   كما أن الفساد كظاهرة تُعَد من الظواهر القديمة التي عانت منها مختلف المجتمعات البشرية،  وهي ليست مرتبطة بزمان أو مكان معين وان جذور الفساد ممتدة في أعماق التأريخ وليست وليدة الوقت الحاضر، ففي كانون الأول عام 1997 أبلِغَ أن فريق علماء آثار هولندي وجد في (راكا) وهو موقع أثري في سوريا حوالي (150) كتابة مسمارية تبين أن الموقع إحتوى على مركز إداري للحضارة الآشورية ترجع الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وجد في أرشيف خاص بجهة مسؤولة عن الأمن (ربما نظير لوزارة الداخلية في العصر الحديث)، بيانات عن الموظفين الذين كانوا يقبلون الرشاوى، وهذه البيانات تتضمن أسماء المسؤولين الكبار وإسم لأميرة آشورية ([3]).
   ويمثل الفساد ظاهرة مركبة متعددة الجوانب والأبعاد، اذ يشير البعض الى مجموعة من الأبعاد المتداخلة والمترابطة لظاهرة الفساد، وهي: البعد الأخلاقي ، البعد الإقتصادي، البعد السياسي ، البعد القانوني، البعد الإداري، البعد المحاسبي([4]). ويفضل البعض الآخر التمييز بين أنواع الفساد، ويقسمها على هذا الأساس الى: الفساد الأخلاقي، الفساد الإداري، الفساد القضائي، الفساد الإقتصادي، الفساد الثقافي، الفساد الإجتماعي، الفساد السياسي([5]).
  وظاهرة الفساد متعددة الأسباب([6]) والآثار، وهي تتجلى في أشكال شتى وممارسات متنوعة في مختلف السياقات.



([1]) د.عبدالحليم بن مشري، الفساد الإداري: مدخل مفاهيمي، مجلة الاجتهاد القضائي، العدد الخامس، مخبر أثر الاجتهاد القضائي على حركة التشريع، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، 2010، ص8.
([2]) الآية (30) من سورة البقرة.
([3]) ينظر: أمير فرج يوسف، مكافحة الفساد الإداري والوظيفي وعلاقته بالجريمة على المستوى المحلي والإقليمي والعربي والدولي في ظل إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة، المكتب الجامعي الحديث، القاهرة، 2010، ص59.
([4]) ينظر في ذلك: د.حسن أبو حمود، الفساد ومنعكساته الإقتصادية والإجتماعية، مجلة جامعة دمشق، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، 2002، ص447.
([5]) يراجع في ذلك: د.محمد الأمين البشري، الفساد والجريمة المنظمة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2007، ص51.
([6]) تتعدد أسباب إنتشار الفساد وتختلف من بلد لآخر، كما أن خطورة هذه الأسباب ودرجة تأثيرها في إشاعة الفساد تختلف من بيئة الى أخرى، غير أنه من المؤكد أن إنتشار الفساد يزداد عند توافر الظروف العامة التي تسمح له بالإنتشار، وقد قدم البعض بتقديم تصور عام عن أسباب الفساد وذلك بتصنيفها الى خمسة أصناف هي: الأسباب السياسية والأسباب الإقتصادية والأسباب الإجتماعية والأسباب الإدارية والأسباب القانونية، وهذه الأخيرة تتمثل في أن تراخي قانون العقوبات وهشاشته فضلاً عن عدم نزاهة الجهاز الوظيفي يولد الفساد الإداري. وبناء على هذا التصنيف يقترح هؤلاء نموذجاً بحيث يشمل النموذج وضع المعالجة المناسبة لكل سبب من الأسباب السابقة. ينظر في ذلك: فارس يونس شمس الدين و محمود محمدأمين عثمان، الفساد الإداري (التشخيص والتحليل والمعالجة بإستخدام نموذج مقترح)، بحث منشور في مجلة (زانكو)، مجلة العلوم الإنسانية تصدرها جامعة صلاح الدين/ أربيل، العدد (27)، 2006، ص319 وما بعدها.